الـواقـع الـعـربـي فـي قـطـاع الـطـاقـات الـمـتـجـددة – م . رفــــاه رومـيـــه ..
|| Midline-news || – الوسط ..
تعتبر مسألة الصراع على الطاقة السبب الرئيسي للحروب التي نشهدها على مر عقود طويلة ، فكما هو معروف تأمين مصادرها هو الدعامة الأولى و الأساسية في نمو الجانب الاقتصادي لأي بلد مهما كانت مكانته في العالم لذلك فإن الهيمنة على مكامن الوقود الاحفوري بمثابة السيطرة على دفة الحكم السياسي العالمي و هذا ما تعمل على تحقيقه الدول الصناعية العظمى ،لكن التطور الصناعي و التكنولوجي الكبير قد فاقم من مشكلة التلوث البيئي بمختلف جوانبه و أصبحت هذه المصادر العامل الرئيسي للتغير المناخي الذي نشهده بشكل واضح في السنوات القليلة الماضية .
إن التوجه نحو الطاقات المتجددة في الآونة الأخيرة جاء نتيجة لحقيقة أن الوقود الاحفوري في طريقه للنضوب و لا بد من بديل طاقي نظيف وأكثر استدامة و الذي يمكن تحقيقه من خلال التقنيات الخضراء ذات الانبعاث الكربوني المنخفض و ذلك بغرض تخفيض البصمة البيئية للدول و الأفراد سعيا لضمان استمرارية أمن الطاقة لنا و للأجيال القادمة . لقد شجعت الكثير من الدول الطاقات المتجددة بمختلف مجالاتها و دعمت المشاريع المعتمدة عليها و شرعت العديد من القوانين لتسهيل نمو أسواقها و خصصت لها ميزانيات ضخمة لتطوير الأبحاث التي تساهم في تحسن تقنياتها حتى باتت تشكل حوالي 23 % من مجمل الطاقة العالمية مع توقعات لتصل إلى 37 % بحلول عام 2040 حسب وكالة الطاقة الدولية international energy agency ، لكن أين الدول العربية من هذه الطاقات ؟؟ و خاصة تعتبر من أغنى بقاع الأرض بالنفط و الغاز و بالمقابل من أفضل المناطق الجغرافية لاستثمار تطبيقات الطاقة الخضراء من رياح و شمس ، فمعظم دول المنطقة العربية تقع ضمن الحزام الشمسي المتميز بكمية الإشعاع الكبيرة الساقطة و التي إذا ما استثمرت بشكل فعال لاستطاعت تأمين طاقة كهربائية فائضة عن حاجة الوطن العربي بالمجمل .
واقع الطاقات المتجددة في البلدان العربية ..
لقد دخلت دول المنطقة العربية أسواق الطاقة المتجددة مؤخرا لكن بزخم بطئ على الرغم من توافر الكثير من الظروف الملائمة لنمو هذه الصناعات أبرزها تمتعها بموقع جغرافي يسمح لها باستثمار الطاقة الشمسية على مدار العام و هذا ما تفتقد إليه العديد من دول العالم ، و قد اتجهت الكثير من دول المنطقة للاهتمام بهذا المجال كخطوة عملية للمشاركة بتطبيق مفهوم التنمية المستدامة و خاصة مع ارتفاع نسب استهلاك الطاقة المعتمدة على المصادر التقليدية في مجال تحليه المياه و تأمين عمل أنظمة التبريد و التكييف (خاصة دول الخليج العربي) ، أيضا يجب أن لا ننسى أن أنظمة القدرة الكهربائية في العديد من الدول العربية هي أنظمة تقليدية و تعاني العديد من المشاكل التقنية بالإضافة لوجود عدد كبير من السكان تفتقر لخدمات هذه الأنظمة خاصة في ظل الحروب التي تشهدها المنطقة مسببة في انقطاع التغذية الكهربائية عن الكثير من المستهلكين . إن جميع العوامل السابقة ساهمت في التحول الجدي للطاقات النظيفة و إعطاء هذا المجال اهتمام أكبر من قبل العديد من الحكومات و الدول العربية و خاصة بعد مؤتمر باريس COP21 سعيا لتحقيق التنمية المستدامة .
لقد جاء في التقرير الصادر عن المركز الإقليمي للطاقة المتجددة و كفاءة الطاقة(RCREEE) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP) لعام 2016 (AFEX) مؤشرات الطاقة المتجددة في البلدان العربية وتم تقييم واقع المنطقة بالمجمل بالاعتماد على أربع عوامل رئيسية و هي بنية السوق ،الأطر السياسية ، القدرات المؤسساتية ، التمويل و الاستثمار ، ولقد احتلت المغرب المرتبة الأولى بالنتيجة النهائية بنسبة 71 % لتليها الأردن بنسبة تصل إلى 66% بينما جاءت ليبيا بالمرتبة الأخيرة بنسبة 18% كما هون مبين في الشكل .
سعت المغرب في عام 2016 إلى تحقيق أهدافها في مجال الطاقات المتجددة من خلال زيادة السعات المركبة و تشغيل مشاريع جديدة في مجال الرياح و محطات الطاقة الشمسية متمثلة بمحطة نور 1 (160ميغاواط ) التي تعد من أكبر المحطات الشمسية في العالم و التي تعد المرحلة الأولى من مشروع نور-ورزازات و الهادف بعد الانتهاء من مراحله الأربعة من إنتاج 580 ميغاواط ، لكن مع هذا لا تزال تعاني المغرب من ضعف في أسواق الطاقات المتجددة و عليها التحرك بشكل أسرع من خلال فتح المجال للشركات للاستثمار و هذا بدوره يساعد على تحسن فرص العمل و الأوضاع الاقتصادية بشكل عام .
أما بالنسبة للأردن الذي ظهر في المرتبة الثانية والذي حقق الكثير من التقدم في جذب الاستثمارات في قطاع الطاقات المتجددة و يعتبر مشروع رياح الطفيلة للطاقة المتجددة الأول في منطقة الشرق الأوسط و بقدرة 117 ميغاواط و هو عبارة عن ائتلاف دولي يضم أبرز المؤسسات التمويلية و الاستثمارية في العالم . لقد عمدت الأردن لوضع الأطر التنظيمية و القانونية لتحسين الاستثمار في هذا المجال من خلال إصدار قانون الطاقات المتجددة و التعليمات المتعلقة به جاعلة بذلك من البلد مهيأ بشكل كبير لاستقطاب الاستثمارات الكبيرة . لقد احتلت اليمن و سورية و ليبيا المراتب الأخيرة مع اتجاهات ضعيفة نحو الاستثمارات الجدية و الفعلية في هذا المجال بسبب ظروف الحرب التي قد أثرت بشكل كبير على قطاع الطاقات المتجددة بالرغم من وجود من خطوات جديدة في الجمهورية العربية السورية في عام 2011 لفتح الاستثمار في القطاع الخاص و اعتماد قوانين لتنظيم هذه العملية لكن لم تعط الفرصة المناسبة للعمل الجاد في هذا المجال بسبب ظروف الحرب .
الطاقات المتجددة في المنطقة بالأرقام ..
تعتبر نسبة القدرات المركبة من مختلف قطاعات الطاقة المتجددة و حصتها من الإجمالي العام مؤشر أساسي لمعرفة حجم الاستثمارات و تنفيذ المشاريع المحلية و مقدار نمو و تزايد جهود هذه الدول في هذا القطاع . يبين الشكل التالي القدرات الإنتاجية لكل دولة في المجالات المختلفة للطاقات المتجددة لعام 2016 حيث تعتبر المغرب و مصر من أكثر الدول العربية في توليد الطاقة من الرياح أما مجال الخلايا الكهروضوئية فكانت النسب الأكبر في الجزائر ومصر و الإمارات بينما استحوذت المغرب على 183 ميغاواط من خلال الطاقة الشمسية المركزة . تشكل الطاقة المتجددة حوالي 6% من الطاقة الإجمالية المركبة في المنطقة و تأخذ الطاقة المائية النسبة الأكبر منها بحدود 4.73 % .
كيف يمكن تعزيز انتشار الطاقات المتجددة في المنطقة العربية ؟؟
يشهد قطاع الطاقة العالمي توجها كبيرا نحو استثمارات الطاقات المتجددة في الآونة الأخيرة فقد عمدت الكثير من الدول الصناعية لضخ أموال ضخمة لدعم المشاريع النظيفة بمختلف أنواعها و إذا ما نظرنا بشكل عميق إلى الظروف البيئية الملائمة لبناء هذه المشاريع نجد أن الدول العربية ذات موقع جغرافي ممتاز لاحتضان هكذا استثمارات ، لكن لماذا هذا التقدم البطيء من قبل الحكومات العربية للحاق بركب الدول الكبيرة و لدينا الإمكانيات الطبيعية المساعدة ؟ . في الحقيقة تواجه الطاقة المتجددة عدة عوائق تحد من انتشارها في المنطقة و لتعزيز دورها بشكل أكبر وفعال في النتاج العام للبلاد لا بد من توافر عدة عوامل تدفع بها للإمام ، لذلك لا بد من توجيه الدعم إلى بنية السوق في كل دولة والتي تهيئ قاعدة جيدة لمشاركة القطاع الخاص في توليد الطاقة فأغلب المنطقة تشهد سيطرة كاملة للحكومات على إنتاج الكهرباء و تعتبر الأردن الدولة الوحيدة التي فتحت المجال للاستثمار الخاص للمشاركة في إدارة الطاقة في المملكة .
كما تلعب الأطر السياسية و التنظيمية دورا مهما في صناعة الطاقات المتجددة من خلال الدعم الحكومي و إيجاد الصيغ العملية المناسبة لاجتذاب الاستثمارات و الشركات المختصة في هذا المجال و لا ننسى أن دعم الحكومات للوقود الاحفوري و التي تعد دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط من أكثر الدول من حيث نسب الدعم و هذا ما سيضعف من القدرة التنافسية للطاقات المتجددة بشكل ملحوظ ، كما يجب أن نأخذ بالاعتبار أهمية التمويل المالي لإدارة المشاريع النظيفة و تأمين الشروط المناسبة لربطها مع الشبكات الكهربائية و التي أيضا تعاني من العديد من المشاكل التقنية و انخفاض أدائها والتي تطلب بدورها الكثير من الأموال لتحسينها بما يتوافق مع تقنيات الطاقة المتجددة .
يبين الشكل التالي المشاريع في عام 2016 و التي كانت قيد الإنشاء في بعض دول المنطقة .
لا بد من إيجاد آلية تنظيمية عملية لصناعة هذه الطاقة من خلال وضع القوانين المحددة لضمان العمل المناسب للمستثمرين و تسهيل الإجراءات اللازمة لدخول القطاع الخاص والمشاركة في إدارة قطاع الطاقة ولا بد أن نسعى لتحسين القدرات المتاحة في مؤسسات الدولة لكي تكون قادرة على استيعاب هذه التقنيات الجديدة و توفير الكوادر الفنية المدربة يما يتلاءم مع متطلبات عمل المشاريع والتي بدورها تساهم في زيادة فرص العمل و تحسين الوضع الاجتماعي العام .
* ماجستير انظمة قدرة ( طاقات متجددة) – كلية الهمك جامعة تشرين ، مدرسة في جامعة الأندلس – كلية الصيدلة .