أرشيف الموقع

العدو يكره الزيتون ويفسد مواسمه

د . مصطفى يوسف اللداوي ..

|| Midline-news || – الوسط  ..

كأن بين الإسرائيليين وشجر الزيتون ثأرٌ قديمٌ، وعداوةٌ مستحكمةٌ، وكرهٌ دفينٌ لا ينسى، وحقدٌ كبيرٌ لا ينتهي، يحملونه معهم كعقيدةٍ من الأجداد، ويورثونه من بعدهم كإيمانٍ للأولاد والأحفاد، فتراهم جميعاً أياً كانت منابتهم ومواطنهم الأصلية يزعجهم وجوده، ويغيظهم صموده، ويربكهم في الأرض ثباتُه وفي السماء علياؤه، وعبر الزمان بقاؤه، فيتمنون زواله ومن الأرض اجتثاثه، رغم أن شجرته قد ترقى إلى حد القداسة لما لها من مكانةٍ عظيمةٍ، وتقديرٍ عالٍ، ولما تلقاه من حرصٍ وعنايةٍ ورعايةٍ كبيرة، وكأنه يغيظهم اهتمام الفلسطينيين بها، وعنايتهم الكبيرة بشجرتها، إذ أنهم يتفاخرون بينهم بعدد أشجار الزيتون التي يملكون، وبحجم إنتاجها وكمية الزيت الذي تعصره ونوعيته، وفي هذه المجالات يتنافسون ويتسابقون، حيث يجرمون قطعها، ويحرمون بيعها، ويعاقبون من يتسبب في إتلافها أو يلحق الأذى بها.

تصب سلطات الاحتلال الإسرائيلي جام غضبها بحقدٍ شديدٍ على شجرة الزيتون وأصحابها، وتتعامل معهما بغلٍ وكرهٍ بادٍ لا يخفى على أحد، فهي تمنع ملاك الأرض وأصحاب شجر الزيتون من الاهتمام به ورعايته، وتتعمد أن تحاصر البساتين والحقول، ولا تسمح لأصحابها بدخولها أو الاقتراب منها، ولا تأذن لهم بتنظيفها وإزالة الفضلات منها، أو تقليم الأشجار وريها، وقص التالف من أغصانها، أو صيانة أسوارها وإعادة تسوية حجارتها التي تحميها وتحصنها، وترصعها وتزينها كأنها قلادةٌ تطوق جيدها، حتى باتت الحقول محرمة على أصحابها، وممنوعة على أهلها، فلا يدخلون إليها إلا بموافقاتٍ أمنية، وأذوناتٍ عسكريةٍ مسبقةٍ، يتم فيها تحديد أسماء من يسمح لهم بالدخول إليها والوقت الممنوح لهم بالبقاء فيها.

أما شجرة الزيتون نفسها فهي محل الغضب وموضع التخريب والتدمير والإفساد، وهي المقصودة بذاتها وعينها، إذ تتعمد سلطات الاحتلال تجريف الأراضي الزراعية الغنية بشجرة الزيتون المثمرة، بحججٍ كثيرةٍ وعديدةٍ، كبناء معسكراتٍ للجيش أو شق طرق سريعة أو شوارع فرعية لخدمة المستوطنات، أو تقوم السلطات العسكرية بأوامر من مجلس المستوطنات وموافقة وزير الحرب أو وزير البنى التحية بمصادرة حقول الزيتون لبناء مستوطناتٍ جديدةٍ أو توسيع القديم والقائم منها، أو يقوم المستوطنون بحرقها وجذوعها أو خلعها من جذورها، ويغير عليها شبانهم ليلاً أو نهاراً، وأحياناً في ظل رعاية وحماية جنود الاحتلال، الذين يرقبون اعتداءات مستوطنيهم ولا يحاولون منعهم أو صدهم، فيخربون ما استطاعوا منها، ويكسرون أغصانها، ويتلفون ثمارها، وإن استطاعوا حرقها فهو أكثر ما يحبون ويفضلون.

يعتقد الإسرائيليون أن الفلسطينيين يرتبطون كثيراً بأرضهم المزروعة، ومساكنهم المبنية، وبيوتهم القائمة ومنازلهم العامرة، وهذه كلها تشكل عندهم أيقوناتٍ مقدسةً، تربطهم بأرضهم، وتشدهم إليها وإن غابوا عنها، وتعيدهم إليها وإن طردوا منها أو أجبروا على الخروج منها بالقوة، ولهذا فإن خلع أشجارهم، وتخريب زروعهم، وحرق محاصيلهم، وهدم بيوتهم يضعف ارتباطهم بأرضهم، ويزعزع انتماءهم إليها، ويدفعهم للتخلي عنها والبحث عن بديلٍ سواها، ولهذا فإن زراعة شجر الزيتون في فلسطين صمودٌ، والحفاظ على بقائه ثباتٌ، والحيلولة دون اقتلاعه مقاومة، والإكثار منه غلبةٌ وحشدٌ.

لكن المصيبة الكبرى أن موسم الزيتون في فلسطين كلها يصادف عيد اليهود “كيبور” أو يوم الغفران، الذي يعتبر من أول أيام السنة العبرية، ومن أهم أعيادهم القومية والدينية على الإطلاق، وفيه تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق المناطق الفلسطينية كلها، وتفرض طوقاً عسكرياً محكماً وطويلاً عليها، وتمنع المزارعين من الاطمئنان على أشجارهم، وهم يعلمون أن هذه الأيام هي قمة أيام قطاف الزيتون، حيث اعتاد الفلسطينيون على قطافه بعد أول سقوطٍ للأمطار في بدايات الثلث الثاني من شهر أكتوبر/تشرين أول من كل عام، حيث يصادف احتفالات اليهود بيوم “كيبور”، وفيه تضيق سلطات الاحتلال على الفلسطينيين في هذه الأيام، وهي تعلم مدى أنها أيام عصيبة ومهمة، وأن المزارعين ينتظرونها بفارغ الصبر مرةً كل عامٍ، إذ أنها تعتبر يوم حصادهم وغلتهم، التي عليها يعيشون، فهي مصدر دخلهم الأساس وسبيل رزقهم الموروث.

وفي المقابل فإنها تهيئ لمستوطنيها كل سبل الراحة والاستمتاع بأيام العيد المقدسة، وتوفر لهم الأجواء المناسبة، وتضمن لهم السلامة والأمن من خلال العديد من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها، والتي تقوم أساساً على التضييق على الفلسطينيين وإغلاق مناطقهم، وكأنهم يريدون أن يكون عيدهم الذي يقدسونه لعنةً على زيتوننا وأشجاره، وعذاباً لأصحابه وملاكه، وسجناً وحصاراً لحقوله وبساتينه، في الوقت الذي كان موسمه عند الفلسطينيين أيام عيدٍ وفرحٍ، فيه يعطلون عن الدراسة، ولا يذهبون إلى وظائفهم الرسمية، وإنما يتجهون جميعاً صغاراً وكباراً، ورجالاً وأطفالاً ونساءً، إلى الحقول لجني قطافه وجمع ثماره، وغالباً تنظم المؤسسات الفلسطينية حملاتٍ تطوعية من طلاب وطالبات الجامعات الفلسطينية، الذين ينسقون فيما بينهم لمساعدة المزارعين في جمع زيتونهم في مواسمه، وكثيراً ما كان يلتحق بهم عددٌ من المتطوعين والمتطوعات الأجانب، الذين يصادف وجودهم في فلسطين، أو الذين يأتون خصوصاً في موسم جني الزيتون للمشاركة في قطفه وجمعه.

يدرك الإسرائيليون أن الفلسطينيين ينغرسون في أرضهم كشجر الزيتون في حقولهم، وأن جذورهم عميقة ومتشعبةً في عمق الأرض وسطحها كجذوره، وأن بقاءهم في هذه الأرض هو من بقاء الزيتون والزعتر، الذي كان وسيبقى إلى يوم القيامة، رمزاً لهم وشعاراً يدل عليهم، وآيةً خالدةً في كتاب الله تتلى، ولهذا فإنهم يحاربون الفلسطينيين في شجرهم الباقي ورمزهم القديم، ظانين أنهم إن اقتلعوا شجر الزيتون من تربته فإنهم يقتلون الفلسطيني من أرضه، ويفصلونه عن إرثه ومعتقده، ويسهل عليهم طرده من بلاده، واجتثاثه منها، ولكنهم واهمون بذلك إن ظنوا، وفاشلون في زعمهم إن حاولوا، إذ مهما اعتدوا وقتلوا، وخلعوا وحرقوا، واجتثوا وخربوا، فسنبقى نحن وأشجارنا في أرضنا مزروعين، وفيها إلى يوم القيامة ثابتين، نحيا ونموت فيها، وفي تربتها ندفن ومنها يوم القيامة نبعث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك