الثقافة والهوية … سامر ببيلي
|| Midline-news || – الوسط …
يعتبر مفهوم الثقافة من المفاهيم المعقدة، وفي أبسط صورها، هي الأشياء التي يصنعها الانسان ويمارسها، بينما الأشياء التي توجد بدون تدخل الانسان تعتبر جزءاً من عالم الطبيعة.
أكثر تفصيلاً، ينظر الى الثقافة أحيانا كحالة للفكر، فشخص ما يصبح مثقفاً حينما يتجه صعوداً نحو فكرة الكمال، أو الهدف، أو الانعتاق، أو انجاز طموح انساني، بمعنى أنه تعريف نخبوي.
بناءاً عليه، ينظر إلى أفراد على أنهم أرقى من أفراد، ويمكن اعتبار مجتمعات معينة أكثر رقياً من مجتمعات أخرى وفق الإنجازات الفكرية، كالشعر والرسم والطب …الخ، فالثقافة هنا شديدة الارتباط بالحضارة.
ويرى البعض أن الثقافة إطار اجتماعي للفنون يمكن العثور عليها في المسارح وصالات الفنون الجميلة والمكتبات العامة، بدلاً من الامتداد إلى كل مظاهر الحياة الاجتماعية للإنسان. كما يمكن اعتبار ثقافة مجتمع من وجهة نظر أخرى على أنها طريقة حياة أفراده، وهي مجموعة الأفكار التي تعلموها وساهموا فيها، ثم نقلوها من جيل الى جيل..
أما مفهوم الهوية، تعرف من خلاله الهوية على أنها إحساس بالذات ينشأ حينما يبدأ الطفل بالتميز عن والديه وعائلته ويأخذ موقعه في المجتمع، ومن المصادر الأساسية للهوية هي: القومية والعرق والجنس والطبقة. ورغم أن الهوية تنسب إلى الأفراد، إلا أنها ترتبط بالمجموعات الاجتماعية التي ينتسب اليها الأفراد ويصنفوا على ضوئها.
في الفترة الأخيرة، ثبتت نظريات ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة اتجاهاً مغايراً في موضوع الهوية. فقد اقترحت تلك النظريات أن هويات الشعوب لها مظاهر مختلفة ومتعددة تتغير باستمرار، وقد تحتوي على بيانات كبيرة.
مثال على ذلك، قد يتصرف الناس بطريقة ذكورية في بعض المواقف، وبطرق انثوية في حالات أخرى، ومعنى الهوية الذكورية والانثوية أصبح أقل وضوحاً، بحيث يمكننا أن نرى الآن العديد من الطرق لصفة الرجولة والانوثة بدلاً من طريقة واحدة.
وطبقاً لهذا، فإن الناس ينشطون في خلق هوياتهم الخاصة، ولم تعد الهويات مختزلة فقط في مجموعات اجتماعية ينتسب إليها الأفراد. ويرى بعض الباحثين أن غالبية الأفراد في المجتمعات المعاصرة لم يعد لهم معنى ثابت للهوية، فهوياتهم تميل إلى التشظي والتجزئة على الدوام.
ترتبط فكرة الهوية بإحكام إلى فكرة الثقافة، والهويات يمكن أن تتشكل عبر الثقافات الرئيسية والثقافات الفئوية التي ينتمي اليها الأفراد، أو التي يتشاركون فيها، والعديد من نظريات الهوية ترى العلاقة بين الثقافة والهوية تأخذ أشكالاً مختلفة.
أصبحت الهوية في عصرنا الحالي أشد تعقيداً نظراً لحالة الاضطرابات السياسية والاقتصادية والفكرية لعالم ما بعد بعد الحداثة، فصار المجتمع استهلاكياً، يميل إلى جمع المال لمواكبة التقنيات الحديثة، بغض النظر عن القيم الأخلاقية. إضافة إلى سيطرة وسائل التواصل والإنترنت، التي جعلت الفرد جزءاً من الأشياء، ودخل المجتمع في “عصر التشيؤ”، إضافة إلى إشكالية ثنائية الهوية والانتماء وانقسامات المجتمع نفسه، وتشظي الهوية الوطنية.
نجد مثالاً أكثر وضوحاً حول ضياع الهوية لدى المهاجر العربي، فقد هاجر حاملاً إرثه الديني وعادات وتقاليد مجتمعه الشرقي، المختزنة في لا وعيه، إلى العالم الغربي المتحضر، فأصبح يحمل نقيضين اجتماعيين، من جهة موروثه الشرقي بكل تفرعاته الدينية والاجتماعية والثقافية، ومن جهة أخرى وجد نفسه وسط عالم مختلف، فيه حرية وانفتاح ضمن ضوابط قانونية، مما جعله يعيش حالة فصام يبدل الأقنعة حسب الموقف.
هؤلاء كانوا صيداً سهلاً للحركات الإسلامية الراديكالية، فاستقطبتهم بيسر وسهولة، وجندتهم لصالحها تحت اسم محاربة الغرب الكافر المتآمر على الإسلام. وقد رأينا ذلك في الكثير من الحوادث الدموية في أوروبا مؤخراً.
هنا أهمية عبارة أن الهوية والثقافة مرتبطتان بالحضارة ارتباطاً وثيقاً، فالمجتمعات التي تهمل الثقافة سيكون أفرادها عرضة لضياع هوياتهم الوطنية، والمجتمع ذي التضامن العضوي تبقى الثقافة المشتركة أو الوعي الجماعي أمراً ضرورياً لكيلا تفسد العلاقات القائمة، وتضيع القيم السائدة.
ختاماً، يرى عالم الاجتماع “دوركهايم” أن نظام التعليم والمؤسسات المهنية يمكن أن تساعد في زيادة التضامن الاجتماعي بين الأفراد في المجتمعات الصناعية، ويرى أيضاً أن الثقافة المشتركة أو الوعي الجمعي ضروريان إذا أريد للمجتمع أن يواصل حياته بانتظام، وهذه الثقافة المشتركة توجد وفق رغبات وخيارات الأفراد، وهي مقيدة لسلوكهم، فهي تنتقل نزولاً من جيل إلى آخر، والوعي الجمعي.. لا يتغير بين الأجيال.
* إعلامي سوري – دمشق