أم الـطـنـافـس والـوطـن الـعـربـي .. مـصـيـر واحـد .. بقلم وسام داؤد ..
|| Midline-news || – الوسط – خاص ..
في آخر حلقة من مسلسل ضيعة ضايعة ( أم الطّنافس الفوقا ) والتي كانت النّاجي الوحيد من الثّورة الرّقميّة ،حتّى الحلقة الأخيرة أدركتها مخلفات هذه الثّورة وقضت عليها، وبذلك اندثر النّاجي الوحيد بعد أن دخلت هذه المخلّفات إليها بفعل فساد واضح ومستشرٍ معروف من يمارسه ،هذا في الدراما أمّا في حياتنا فنقول أن واقع أم الطّنافس الفوقا يشبه إلى حد التّطابق واقعنا العربيّ اليوم الذّاهب لمصير تلك القرية الإفتراضية .
بحكم ما جرى ويجري اليوم في العراق الشّقيق من محاولات تقسيميّة باتت في مراحل التّنفيذ المادّي على الأرض ، لابدّ لنا وبحكم وحدة المصير التّاريخي بين سورية والعراق ، ومن باب الواقعيّة السّياسيّة طبعا وليس من باب الشّعارات العقائديّة الحزبيّة أو القوميّة ، يجب أن نكون أكثر جرأة في مواجهة ما يجري اليوم كي لا يمتد إلى سورية ، وأن نطرح أكثر السّيناريوهات قساوة وغرابة ونعمل وفقها بذكاءٍ وبرودة أعصاب لإفشال أي محاولة لمد خطوة كردستان العراق إلى سورية، والتي هي اليوم أكثر السّاحات في المنطقة خصوبة لاستقبال هذه المحاولات التّقسيميّة بصيغٍ جديدة وشعاراتٍ طنّانة تطرب لها الشّعوب كونها تلامس همومها ومطالبها فتنساق خلفها بسهولة كما هي حالة “الرّبيع العربي” .
عندما قرّرت واشنطن إسقاط حكم الرّئيس صدام حسين في العراق واحتلال هذا البلد كان لسورية موقفاً واضحاً في القمّة العربيّة لخّص المشهد وقال إذا سمحنا باحتلال العراق فلن يكون هناك ناجي من هذا الطّوفان القادم وهذه الحقيقة تمثّلت فيما يجري اليوم في المنطقة والدّول العربيّة .
فعلنا من وقتها الكثير وحاولنا أن نمنع هذا الطّوفان من الوصول إلينا ووقفنا في وجهه في العراق ولبنان وفلسطين وليبيا واليمن قبل أن يصل ولكنه للأسف وصل وحصل ما حصل .
طبعا منذ البداية يعلم الجميع في سورية وغيرها من الدّول أنّ المشروع في المنطقة ( مشروع الشّرق الأوسط الكبير )هو مشروع تفتيتي يعمل على فكفكة الكيانات السّياسيّة الكبيرة والقويّة والتي تشكل عوائق أمام مرور هذا المشروع ،وفهمنا أن إفشال هذا المشروع الخارجي تتم بمعارك عسكريّة وسياسيّة واقتصاديّة مع هذا الخارج ،والتي بدأت باحتلال العراق ومن ثمّ بمقتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ونجحت المواجهة في بعض الأحيان بتعطيل عجلة هذا المشروع كما حصل في حرب تموز 2006 ويحصل اليوم في سورية، ولكن أصحاب المشروع أعدّوا خطط بديلة للتّغلب على أي انتكاسات حتّى لو استلزمت تقديم تضحيات كبيرة ولو بأنظمة سياسيّة حليفة لهم مثل ما جرى في مصر وتونس مثلا ودخل المشروع ملتفا على كل الفيالق والجيوش وأجهزة الإستخبارات العربية من الأبواب الدّاخليّة فهذه الأبواب إما هشّة ومتهالكة عفا عليها الزّمن وإما هي مشرّعة ومفتوحة بلا أبواب ،وهنا تكمن المشكلة وهنا يكمل الحل أيضاً .
من خلال المتابعة لما يحصل في العراق وإستفتاء إقليم كردستان للإنفصال عن العراق كانت معظم الحجج والتبريرات التي قدمها الكرد العراقيين ومن يسنادهم مرتبطة بممارسات داخلية تتعلق بعلاقة الحكومات العراقية المتعاقبة مع هذا الإقليم وغياب أي دور لهذه الحكومات العراقية في حياتهم اليومية في الإقتصاد والأمن والسياسية وبغض النظر عن صحّتها أو كذبها إلا أن هذا الواقع جعل من الكرد العراقيين ينسون تماماً أنهم ينتمون للعراق الواحد الموحد وهذا سهّل مهمّة أصحاب مشروع التّقسيم كما سهّل الوضع الدّاخلي الإقتصادي والسّياسي السّيء والمزري لمعظم الشعوب العربية في دولهم من دخول “الربيع العربي” إلى مجتمعاتهم لنصل إلى هذه الكارثة اليوم .
نركّز اليوم على الأوضاع الدّاخليّة للدّول العربيّة كون هذه الأوضاع أهملت لوقت طويل من الزّمن بعد معارك الاستقلال لصالح مواجهة التّهديدات الخارجيّة التي استنفذت قوانا الإقتصاديّة والسّياسيّة والإجتماعيّة بلا نتيجة أو طائل ،فالواقع اليوم أسوء من أي وقت مضى في تاريخ هذه المنطقة وبناءً عليه فإنّنا في سورية مطالبون اليوم في جبهتنا الدّاخلية بالعمل كثيراً وعلى ملفّات حسّاسة ودقيقة وبكثير من الشّفافيّة والصّدق لمنع امتداد محاولات التّقسيم إلينا وعلينا أن لا نقول لأنفسنا الواقع في سورية غير الذي هو عليه في العراق أو جنوب السّودان سابقاً، وعلينا أن لا نعوّل على أحد في الخارج مهما كان صديقاً أوحليفاً ، فالدّول تحكمها المصالح لا المبادئ، ومصالحنا اليوم تقضي بأن لا نسمح بامتداد ما جرى في العراق إلى شمال سورية وأية منطقة أخرى في الجغرافيا السّوريّة، خصوصاً وأنّ ما جرى في العراق جرى تكريسه على مدى عقود من الزّمن وعبر تراكم خطوات محسوبة لعبت من خلالها القيادات الكرديّة على حبال الأزمات المتلاحقة في المنطقة.
الجيش السّوري يقوم بواجباته على أكمل وجه في حماية سورية من أية مشاريع مشبوهه لتقسيمها، وينعكس ما يقوم به الجيش السّوري على المستوى السّياسي في العلاقة مع الخارج وهذه حقيقة ،ولكن على مستوى الجبهة الدّاخليّة والعمل داخل مؤسّسات الحكومة السّوريّة مختلف تماماً وبعيد جداً عن ما هو عليه اليوم على المستوى العسكري والسّياسي وهنا علينا أن لا نغفل من جديد الجبهة الدّاخليّة لصالح المعركة الخارجيّة ونتعلّم من دروس السّنوات السّت الماضية فحصان طروادة دخل عبر بوّابة الملف الدّاخلي وكان الشأن الخدمي والإقتصادي وسياسات التّهميش والتعامي عن المشاكل الجوهريّة للسّوريّين والإعتماد على الإقتصاد الأسود ( الرّشوة والفساد ) كمنهج عمل منظم سبب رئيسي في تسهيل مهمّة أصحاب مشروع التّفتيت والتّدمير، وما يثير خوفنا اليوم هو أن هذه السّياسات مستمرّة وبشكل أقوى وأكبر وفي هذه المرحلة وهذا ما سيكون له نتائج أكثر كارثيّة وخطورة فهذه السّياسات تهدّد اليوم إنجازات وقوّة ووجود المؤسّسة العسكريّة ،كونها الضّمانة الوحيدة لبقاء هذا الوطن وتهدّد البيئة الاجتماعيّة والكتلة البشريّة لهذه المؤسّسة ،فهي تعيش أسوء حالاتها إقتصاديّا ومعيشيّاً وإجتماعيّاً، وكل ما تحقّقه هذه المؤسّسة من إنجازات لا ينعكس على بيئتها الإجتماعيّة إنما يحصد نتائجه قلّة من أصحاب رؤوس الأموال ومحدثي النّعمة عبر استنزاف موارد الدّولة ،لتقديم الخدخمات لهم تحت شعار تعزيز التّنمية وإطلاق عجلة الإنتاج وبهذا نكون قد كرّرنا تجربة العراق ونصل إلى مالا تحمد عقباه ولا يمكن تصحيحه .