سميرة المسالمة – رحيل الأسد .. و معركة المنصّات الجديدة ..
|| Midline-news || – الوسط ..
تختصر المعارضة السورية معركتها السياسية ـ التفاوضية بين ” المنصات ” ، التي اجتمعت في الرياض أخيرا ( 21 أغسطس/ آب ) ، في بند رحيل الأسد ، والخلاف حول إعلان ذلك ، وتصدير هذه المعركة إلى السوريين عبر الإعلام ، كأن كل ما أرادته في قيادتها المعارضة قد تحقق ، أو أنجز ، باستثناء هذه ” الجزئية ” ، أي المتعلقة برحيل الأسد أو بقائه ، في وقت تتسارع فيه الدول الراعية للمنصات ذاتها إلى التقليل من أهمية هذا البند الذي تراه الهيئة العليا للمفاوضات جوهر العملية التفاوضية ، بينما تراه ” منصة ” موسكو شرطا مسبقاً مرفوضاً ، وتراه ” منصة ” القاهرة تفصيلاً يمكن التعاطي معه بدبلوماسية تتيح التوافق ، وتحول دون ازدياد الشرخ في معارضةٍ لم يلتئم شملها بعد .
وعلى الرغم من الإعلان عن حجم المشتركات بين ” المنصّات ” ، إلا أن ما يثير الاهتمام أن هذه المشتركات هي نفسها مع النظام ، بدءاً من التوافق على سورية الواحدة الموحدة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة ، ما يعني أن الأصل في الاجتماع هو التوافق على المختلف عليه بينهم ، والذي تم اختصاره ، أولاً ، بمصير الأسد ، وثانياً ، بالدستور الذي يحكم المرحلة الانتقالية ، مع أهمية الأول ، الأمر الذي تحوّل إلى همروجة إعلامية شعبوية ، هدفها إثارة الرأي العام ، وتحويل أنظاره عما هو أهم وأعمق في العملية التفاوضية ، وما سبقها وسياقاتها ومآلاتها .
ليس المهم اليوم مناقشة ما يمكن أن يطرحه اجتماعٌ لم يذهب إليه المجتمعون بناء على رغبة ذاتية تقتضيها المصلحة الوطنية ، أو ” لتكتيكات ” تفاوضية آنية ، أو جزئية ، وإنما تنفيذاً لإملاءاتٍ دولية ، لوّحت لهم بها القرارات الدولية ، وتم تجاهلها نحو عامين متتاليين ، تحت شعاراتٍ تمسّكت بها الهيئة العليا للمفاوضات من دون أن تعي عواقبها ، فهي التي رفضت بداية عقد مثل هذه الاجتماعات ، ثم أعلنت على الملأ أن المبعوث الأممي ، ستيفان دي ميستورا ، غير مخول بدعوة وفود إلى التفاوض مع النظام ” إلاها ” . وبعد ذلك ، رضخت لهذا الأمر ، بعد أن كانت قد رضخت لفتح مسار تفاوضي جديد هو مسار أستانة .
هكذا قام المبعوث الأممي بدعوة منصتي القاهرة وموسكو ، وغيرهما ، إلى جولات التفاوض ، في حين برّرت الهيئة ذلك باعتبار الأمر مجرد مشاورات ، وبسبب الإصرار على عدم قراءة قرار مجلس الأمن 2254 الذي صدر نهاية 2015 والذي ينصّ صراحةً على شراكة هذه المنصات ، ومن يراها المبعوث الأممي أيضاً . وفي المحصلة ، تحولت الهيئة العليا للمفاوضات ذاتها إلى مجرد منصة ، وهي التي كانت تضم أكثر الهيئات والكيانات المعارضة ، سواء المشكّلة خارج الأراضي السورية ، كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ، وممثلين عن فصائل عسكرية تعمل من داخل و “خارج ” الأراضي السورية ، وممثلين عن معارضة الداخل مثل هيئة التنسيق الوطنية ، ومجموعة من المستقلين ، وجميع المدعوين من هيئات أو أفراد كانت دعوتهم اسمية ، ولاعتبارات الدول المقرّرة ، أي أنها ليست نتاج انتخابات شعبية ، أو لاعتبارات تمثيلية ، ما يسقط فكرة تمثيل الشعب ، ليضع مكانها تمثيل الكيانات والدول الداعمة فقط .
وبالعودة إلى القرار 2254 الذي يعد أحد أهم المرجعيات التفاوضية للمعارضة ، وبعيدا عن القراءات العاطفية والرغبوية للمعارضة ، فإنه يتضمن نصاً واضحاً على : ” جمع أوسع طيف ممكن من المعارضة التي يختارها السوريون ، والتي ستقرر ممثليها للتفاوض وتضع مواقفها التفاوضية بما يمكّن من إطلاق العملية السياسية ، وإذ يأخذ علماً بالاجتماعات التي جرت في موسكو والقاهرة وغيرها من المبادرات ، بغاية الوصول إلى هذا الهدف ، وإذ يلحظ خصيصاً الفائدة الناجمة عن الاجتماع الذي جرى في الرياض في الفترة بين 9-11 كانون الأول/ديسمبر 2015 ، التي تسهم نتائجها في التحضير للمفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة حول التسوية السياسية للصراع ، طبقاً لبيان جنيف وبياني فيينا ” .
فوفقاً لهذه الفقرة ، وهي العاشرة في القرار 2254 ، فإن المسؤولية اليوم تتجلّى في التفطّن لإعادة قراءة هذا النص ، بمسؤولية وطنية ، وبواقعية ، ومن دون مكابرة ، قبل أن يصار إلى التعامل معها من جديد دولياً ، في ظل المتغيرات على الأرض وفي ساحة المعارك . ويأتي ضمن هذه القراءة ملاحظة وجود قوة أخرى ، غير متمثلة بعد ، وسيُصار إلى فرضها لاحقا ، وهي القوة الكردية ، المتمثلة في قوات سورية الديمقراطية ، التي تحظى بدعم أميركي مطلق ، ليكون التعامل مع هذا الأمر وفقاً للأجندة السورية ، وليس وفقاً للتوظيفات الخارجية ، ووفقاً للتوافقات والمشتركات المتبادلة ، بدلاً من تجاهل هذا الأمر ثم قبوله أمرا واقعا ، كما حصل مع المنصات الأخرى . أيضا ، هذه التطورات الحاصلة تطرح تساؤلاتٍ عن ماهية التسويات اللازمة مع كل من التحالف الجديد الإيراني والروسي والتركي ، والذي يحقق مصالح متبادلة بين كل الأطراف ، ويحفظ الأمن القومي التركي ، من دون أن يتراخى بما يتعلق بحقوق الكرد في الدولة السورية الجديدة ، وهذه ، بعيداً عن الولاءات الحالية ، هي مهمة وطنية ، تدخل ضمن جهود العمل السياسي الذي يجب أن تضطلع به كيانات المعارضة بإرادة ذاتية ، هدفها تحصيل حقوق كل السوريين ضمن المشروع الوطني البديل للنظام الاستبدادي القائم .
التعامل من منطلق فهم موازين القوى من دون التفريط بجوهر المطالب الشعبية في الحرية والكرامة وحق المواطنة ، والتعاطي مع القرارات الدولية من منطق الواقع القائم ، وليس القراءات السطحية ، يدفع إلى القول فعلياً : إننا مازلنا أمام بابٍ مفتوح لشراكات تتجاوز المنصتين ، كما ينص القرار في الفقرة العاشرة منه ، بما يتعلق بدور الوسيط وصلاحياته التي يجب دراستها ورسم خطة تعامل واقعية معها ، وتوظيفها في خدمة أهداف الثورة التي قامت من أجل إقامة الديمقراطية وإحقاق حقوق المواطنة لكل السوريين ، أفراداً وقوميات . ومن دون ذلك ، تتزايد جولات العملية التفاوضية من دون قطاف سوري لثمارها .
بقاء الأسد أو رحيله ليس بالاتفاق بين المنصّات ، لأن هذا الأمر ، وفقا لموازين القوى والمعطيات الراهنة ، هو بيد القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ، خصوصا أن هذا الأمر لا يحل بمجرد تصريحات أو بيانات ، ولكن بالعمل الذي مازالت خططه توضع لمصلحة أجنداتٍ غير سورية ، وتغيب عنها المصلحة السورية الحقيقية للمعارضين والموالين بإنهاء الاستبداد ، نظاما وشخوصاً .