الكلفة بين الممانعة والاستسلام !! – مصطفى المقداد
|| Midline-news || – الوسط …
تقدم حالة الإطاحة بالرئيس السوداني عمر حسن البشير برهاناً إضافياً أن الولايات المتحدة الأميركية لا تلتزم عهداً ولا تحافظ على حليف، مهما قدم من خدمات لها، ظناً منه أن بقاءه مرتبط بمدى الرضا الأميركي عنه، والسوابق من الحالات المشابهة أكثر من أن تعد وتحصى في مقال صحفي.
ففي الأمس القريب، كانت التجربة مع الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، الذي لجأ إلى المملكة العربية السعودية بقرار أميركي مؤكد، والتجربة الأكثر وضوحاً تمثلت في عزل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، الذي قضى طيلة فترة رئاسته محافظاً على المصالح الأميركية وملتزماً بتطبيق تعليمات وطلبات الإدارات الأميركية المتعاقبة، لينتهي به المطاف في قفص السجن والاحتجاز متهماً بقضايا لا يجوز دستورياً توجيهها إلى رأس الدولة، وقبله كانت تجربة العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من أيلول ليلقى النهاية البشعة بعد خضوعه للولايات المتحدة الأميركية وتدمير الترسانة المسلحة الكبيرة التي يمتلكها، والتي كانت تمثل قوة ردع بالنسبة لبلد يمتلك ثروة نفطية كبيرة تنعكس على مستوى حياة الليبيين بتعدادهم الصغير.
والسلسلة تطول من آسيا إلى أفريقيا وأميركا الجنوبية، إذ تشير جميع الحالات إلى التضحية السريعة بالحليف أو العميل واستبداله بالغير وفق المصالح والمستجدات، وخاصة المصالح الاقتصادية.
فالرئيس البشير قدم تنازلات كبيرة، لكنه سمح باستثمارات صينية وتركية في بلد بكر، كان ولا زال يمثل سلة غذاء الوطن العربي والعالم، فسقط أمام مخططات استبدلت ضباطاً يقدمون خدمات أكثر استجابة للراهن من الأيام، ويلتزمون تنفيذ قيادة القوات العسكرية السودانية المشاركة في العدوان السعودي على اليمن.
بالمقابل، ثمة علاقات وحوادث تعطي صورة معاكسة ومخالفة لتلك النتائج في عدم الانصياع للمطالب الأميركية، فدفعت أثماناً كبيرة، لكنها ثبتت ميدانياً وسياسياً وحققت تقدماً اقتصادياً في ظل الحصار والعقوبات.
وقد كانت كوبا واحدة من الدول التي رفضت الإملاءات الأميركية منذ بداية العقد السادس من القرن الماضي، فبنت دولة قوية ومتقدمة محافظة على خصوصيتها وعلى استقلال قرارها السياسي كأساس للسيادة الوطنية.
وقدمت كل من جمهورية كوريا الديمقراطية والجمهورية الإسلامية الإيرانية نموذجاً في مواجهة الضغط والحصار والعقوبات، بحيث غدتا دولتين تمتلكان قاعدة اقتصادية وعسكرية قوية تجعل الولايات المتحدة الأميركية تتردد كثيراً قبل الإقدام على أي خطوة عدوانية، أو ارتكاب حماقة غير محسوبة العواقب ضد أي منهما .
ويبقى المثال السوري في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية حاضراً وماثلاً ومستمراً على مدى سبعة عقود، تذبذبت تلك العلاقة بين التصعيد غالياً والمهادنة أحياناً ، إلا أن الحصيلة كانت المزيد من الاعتماد على الذات، بدءاً من منتصف ثمانينيات القرن المنصرم حتى اليوم ، فلم تفلح العقوبات ولا سياسة الحصار والتهديد والعدوان المباشر في التأثير في بنية الدولة الوطنية، وهي تزداد ثباتاً وقوة وتمسكاً بالسيادة الوطنية. إذ أن سياسات الترغيب والترهيب على السواء فشلتا في خلق بؤرة تسمح بتنفيذ المخططات الإمبريالية والصهيونية، لتبقى سورية تمثل حالة الممانعة الصامدة في وجه كل تلك المؤامرات .
*نائب رئيس اتحاد الصحفيين – سورية