إنصاف سليطين – أليس .. في مدينة المعارض ..!!
|| Midline-news || – الوسط – خاص ..
إنه اليوم الثاني للمعرض ، قلت في نفسي ، عليّ كعاملة في الحقل الإعلامي رصد هذا الحدث عن قرب لا الاكتفاء بما تبثه الشاشات و وسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها ، فالشاشات خداعة تعكس ما تريد عيون القائمين عليها رؤيته ، و الكلمات مطواعة يعجنها كتابها و قائلوها و يخبزونها لجمهورهم حتى لو كانت مجبولة بالهواء و ركيزتها الهراء ..
على طريق مدينة المعارض مع بعض الزملاء بدأ الحديث عماّ تسبب به ازدحام اليوم السابق ، كإضاعة أسر عديدة لأبنائها ” زميل لنا أضاع ابنه ثم وجده بعد قليل” ، أيضاً الغاء ندوة تيلفزيونية بسبب تعذر وصول المذيعة و ضيفتها قبل وقت متأخر من الليل ، فعادتا أدراجهما فور وصولهما ، لتعلقا من جديد بزحمة طريق العودة ، البعض حمّل الازدحام ذاته مسؤولية تأخر وصول المطرب اللبناني أيمن زبيب إلى المعرض ليقضي فيه نصف ساعة فقط ، لكن أحد الزملاء رد على ذلك سريعا بالقول هذه ليست المرة الأولى التي يتأخر فيها هذا المطرب بل إن تأخيره هذا حدث قبل فترة في احدى الحفلات مما دفع برتل المسؤولين المتواجدين إلى المغادرة اثر الاتصال مع النجم الغنائي المنتظر ليبلغهم أنه في تلك اللحظة التي جاوزت منتصف الليل يعبر الحدود اللبنانية السورية ..
سنكتفي بالمرور على هذه التفاصيل دون الغوص فيها حتى لا تأخذنا الأقاويل بعيداً عن معرضنا ، فهي حتى الآن قيل عن قال . و أبرز ما قيل ان الأمس كان أشد ازدحاماً و أكثر .
الرابعة و النصف ظهرا ، تتوقف الباصات عند مفترق طريق فرعي يؤدي إلى باب الدخول ، مسافة المسير تجاوز الكيلومتر و نصف على أقرب تقدير ، جلبة كبيرة و حراسة مشددة و انتشار كثيف لقوى و عناصر الحراسة ، أصوات الجميع مرتفعة و كأن أحد لا يسمع أحد ، .
ينزل الزوار من الباصات المخصصة لنقلهم ، و يبدؤون رحلتهم الثانية سيراً إلى باب الدخول ، أما الباصات التي تقل من جاؤوا بمهمات عمل إلى مدينة المعارض بدأت تدور حول مفترق الطريق الفرعي ، في إصرار من مستقليها على عدم النزول لاكمال الطريق سيراً ، بل تشبث كلٌّ في مقعده يريد أن يوصله الباص إلى الباب المنشود ، إذ يكفي برأيهم ما ينتظرهم من تعب و جهد لانجاز ما جاؤوا له ، و من بين هؤلاء طبعا زملاؤنا الإعلاميون ، و أنا معهم.
دار باصنا مع الباصات المذكورة عدة دورات بين الجهات الحارسة المتعددة في محاولة لأخذ موافقة من احداها بدخوله ، هذا يقول ممنوع و ذاك يقول انتظروا قليلاً و آخر لا يقبل النقاش أصلاً ، اجتازالباص الرصيف المنصف و عاد إلى المفترق من جديد ، و وقف ينتظر إذنا بالدخول ، إلى أن جاء الفرج ، تذكرت اثناءها صديقي المختص بهندسة المطارات حين قالي ذات مرة “في المطارات يجب على العاملين تحقيق معادلة (( راحة المسافرين و أمانهم)) ” و لكن كفة أمانهم ترجح على كفة راحتهم ، لذلك ترين بعض الإجراءات الصارمة .، و هنا سمعت صوت زميلتي تقول أثناء مرور بعض السيارات الفارهة بقرب باصنا ، كان يجب منع القدوم بالسيارات و الاكتفاء بالباصات من باب التنظيم الأمثل !
الزوار الذين نزلوا من باصاتهم و أكملوا طريقهم راجلين كانوا يحثون الخطى ، إماّ لشدة حماسهم للوصول إلى المعرض الذي اشتاقوه ، و إماّ لتقريب نهاية هذا السير تحت شمس آب اللهاب ، و هم يمسكون أيدي ابنائهم شادين الأكف ببعضها حتى لا تفلت ، حتى أن أحدهم ربط بحبل يده و يد ابنه ..
حانت لحظتي المرتقبة ..
دخلت باب مدينة المعارض كما دخلت أليس إلى بلاد العجائب ، يا لأبعاد المشهد ، أعلام مرفرفة ، طيبة تتدفق من الوجوه الفياضة ، عيون تنبش تفاصيل المكان ، أطفال ، فتية ، فتيات ، ضحكات ، جلبة ، أصوات أغاني متضاربة بفعل مكبرات الصوت ، تسمع مقطعاً و بعد عدة خطوات تكمل سماعك لكن لمقطع موسيقي أو طربي آخر منبعث من مذياع مختلف ، أضواء ، مأكولات ، منتجات بكافة مستوياتها من منقوشة الزعتر إلى الجرار و السيارة و الكريستال و أكبر قرص معمول في العالم ، أجنحة متنوعة ، لهجات ولغات مختلفة ، كل هذه المطاهر أحيت في نفسي التساؤل .. يا الهي كم لبثنا ؟!!!
كم متنا و عشنا ؟ كم حُرمنا و ظُلمنا ؟ كم خسرنا ؟ كم تألمنا ؟ كم و كم و كم ؟
كم حدث كهذا الحدث نحتاج لنبلسم ندوب صراعنا للبقاء على قيود النبض و الأمل ؟
لكن ماذا عن مضمون هذا الحدث ، هل يرقى ليشبع كل هذا الظمأ ؟ إن اعتبرناه شتلة غُرست في أرض أغرقتها الدماء ، هل اكتسبنا خبرة العناية بالغرس و إنتاج ثمر سقاه دفق الدم ؟ هل نحن مستعدون لغرس شتلات أخرى ، في مسارات أخرى لا تقل أهمية عن مسار هذا الغرس ؟
كم من الوقت يلزم السوريين ليجتمعوا على غرسة واحدة ترفرف في سمائهم و تضرب جذورهاعميقاً في باطن قلوبهم ؟
ليست الأرض قاحلة و إنما القلوب التي لا تنبض بالمحبة لبعضها هي القاحلة ، فيا ليتنا نتقن فن محبة بعضنا حتى تخضرَ الأرض و إلاّ فإن التصحر لن يرحم منا أحداً ، لا أحد ..